مدينة النحاس التي بناها الجن لسيدنا سليمان.
فِي فِيافِي الَّانَّدلس بالمغَرِب الَّاقصى قريبا مِن بحر الظلمات. بلغ عبدالملك بن مروان خبر مدينة النحاس . فكتب الَى عَامّلَه بالمغَرِب موسى بن نصير : بلغني خبر مدينة النحاس التي بناها الجن لسيدنا سليمان عليه السلام في صحراء الاندلس في المغرب . فاذهب الِيِها و اكتب الِي بما تعايْنَ مِن العجائب و عجل بالجواب سَرِيعا انَّ شاء اللَه.
بداية البحث عن مدينة النحاس التي بناها الجن لسيدنا سليمان
خرج موسى بن نصير فِي عسكر كثيف و عدة كثيرة و الَّادلاء يدلَونه عَلَى خبر مدينة النحاس او مدينة الجن . فسافر عَلَى غَيْر طريق مسلَوك مدة اربَعين يَوْما ,حتَى اشرف موسي بن نصير والعسكر عَلَى ارض واسعة . كثيرة المياه و العيون و الَّاشجار و الَوحوش و الطيور و الحشائش و الَّازهار . و بدا لَموسي بن نصير سور مدينة النحاس كَانَّ ايدي المخلَوقين لم تصنعه فهالَه مِنظرها .
قَال موسى بن نصير كَيْف السبيل الَى مَعرفة ما فِي هَذِه المدينة ؟.
فقَال المهندسون تامر بحفر اساسها فمِنه يمكن انَّ يدخل الَى دَاخَل المدينة.
فحفروا عَند اساس سور المدينة حتَى وصلَوا الَى الماء و اساس النحاس راسخ تَحْت الَّارض . حتَى غلبهم الماء فعِلموا انَّه لا سبيل الَى دخول مدينة النحاس مِن اساسها.
سور مدينة النحاس التي بناها الجن
لذلك قَال المهندسون يبنى الَى زاوَية مِن زوايا ابراج المدينة بنيانَّ حتَى يشرف عَلَيها. فَقَطّعوا الصخور و بنوا برجا مقَداره ثَلاثَمّائة ذراع حتَى عجزوا عَن رفع الحجارة و بقي مِن السور مقَدار مائتي ذراع. بعد ذلك اتخذوا مِن الَّاخشاب بنيانَّا عَلَى ذَلِك البنيانَّ حتَى وصلَوا مائة و سَبعين ذراعا. ثم بعد ذلك سلما عظيما و رفعوه بالحبال عَلَى ذَلِك البنيانَّ حتَى اسندوه الَى اعَلَى السور .
و قَال الَّامير موسى بن نصير مِن صعد الَى المدينة نعطيه ديته فانَّتدب رجل مِن الشجعانَّ و اخذ ديته و اوَدعها و قَال انَّ سلمت فهِي اجرتي و انَّ هَلكت فهِي ديتي تدفع الَى اهَلُي.
بعد ذلك صعد فَوْق السلم عَلَى سور مدينة النحاس فلما اشرف ضَحِك و صفق بيديه و القى بنفسه الَى دَاخَل المدينة .
فسمَعوا ضجة عظيمة و اصواتا هائلة ففزعوا و اشتد خوفهم و تمادت تلك الَّاصوات ثَلاثة ايّام و لِيالِيِها ثَمّ سكتت تلك الَّاصوات .
فصاحوا باسم ذَلِك الرجل مِن كُلّ جانَّب مِن العسكر فلم يجبهم احد .
فلما يئسوا ندب الَّامير رجلا اخِر فحدث لَه مثل ما حدث مَع الَّاوَل .بعد ذلك تقَدم رجل مِن الشجعان بَعْد ان وعد بضعف الدية الَّاوَلى, و قَال انَّا اصعد فشدوا فِي وسطي حبلا قَوِيا و امْسكوا طرفه مَعكَم.وذلك حتَى انَّ اردت انَّ القي نفسي فِي المدينة فامِنعوني.
ففعلَوا ذَلِك و صعد الرجل فلما اشرف عَلَى المدينة ضَحِك و صفق و القى نفسه بعد ذلك .
فجروه بذَلِك الحبل و الرجل يجر مِن دَاخَل المدينة فانَّقطع جسد الرجل نصفِين و وقع نصفه مِن محزمه مَع فخذيه و ساقيه و ذهب نصفه الَّاخِر فِي دَاخَل المدينة و كثر الصياح و الضجيج.
الجن في مدينة النحاس في صحراء المغرب
فقَال الَّامير موسي بن نصير ربما يكون فِي مدينة النحاس جن ياخذون كُلّ مِن اطلع عَلَى المدينة ,فامر بالرحيل و سار خَلْف المدينة فرسخا اوَ نحوه فراى الَواحا مِن الرخام الَّابيض. كُلّ لَوح مقَدار عَشرين ذراعا , فِي نقش كتاب باللسانَّ المسند! فِي الالواح اسماء الملَوك و الَّانَّبياء و التتابعة و الفراعَنة و الَّاكاسرة و الجبابرة و وصايا و مواعظ و ذكر النبي محمد صلى اللَه عَلَيه و سلم و ذكر امته و شرفه و شرف امته و ما لَهم عَند اللَه عز و جل مِن الكرامة.
ولانه كان عَند الَّامير مِن العِلماء مِن يقرا كُلّ لغة ؛فلذلك نسخوا ما عَلَى تلك الَّالَواح ثَمّ راوَا شيئا لامعا فذهبوا الِيِ هذا الشئ .
فوجدوه عَلَى شكل رجل مصنوع من النحاس فِي يده لَوح. مكتوب علي اللوح لِيس ورائي مذهب فارجعوا و لا تدخلَوا هَذِه الَّارض فتهَلكوا.
عجائب مدينة النحاس “النمل المفترس و الجن المحبوس في البحيرة”
قَال الَّامير موسى هَذِه ارض بيضاء كثيرة الَّاشجار و النبات و الماء فكَيْف يهَلك الناس فِيها؟ .
فامر جماعة مِن عبيده فدخلَوا تلك الَّارض فوثب عَلَيهم مِن بَيْن تلك الَّاشجار نمل عظام كالسباع الضارية , فَقَطّعوا اوَلئك الرجال و خيولَهم و اقَبْلَوا نحو العسكر مثل السحابة, حتَى وصلَوا الَى تلك الصُّوَرة فَوْقفوا عَندها و لم يتعدوها.
فعجبوا مِن ذَلِك ثَمّ انَّصرفوا عَن المدينة حتي وصلَوا بحيرة كَبِيرة كثيرة الطين و الَّامواج فِيها تلتطم , طيبة الماء كثيرة الطير و الشجر المثَمّر و الزهر المختلف الَوانَّه فنزلَوا حولَها و أمر الأمير الغواصين فغاصوا فِي البحيرة فاخرجوا حبابا مِن النحاس عَلَيها اغطية مِن الرصاص مختومة . ففَتَح مِنها حبا فخرج مِنه فارس مِن نار عَلَى فرس مِن نار و فِي يده رمح مِن نار فطار فِي الَهُواء و هُو ينادي يا نبي اللَه لا اعود.
و فَتَحوا حبا اخِر و اخِر و كان نفس الشيء يحدث و قَال الَّامير لِيس مِن الصواب ان نفَتَح هَذِه الحباب لانَّ فِيها جنا قَد سجنهم سلِيمان عَلَيه السّلام لتمردهم فاعادوا بقية الحباب الَى البحيرة .
ثَمّ اذن الموذنون لصلاة الظهر فلما ارتفعت الَّاصوات بالَّاذانَّ خرج مِن وسط البحيرة شخص كالَّادمي هائل المِنظر و جعل ينظر الَى الناس يمَيْنا و شَمَالَّا فصاح به الناس مِن كُلّ جانَّب مِن انَّت يا هذا القائم عَلَى الماء؟
فقَال انَّا مِن الجن الّذين سجنهم سلِيمانَّ فِي هَذِه البحيرة و انَّما خرجت لما سمَعت اصواتكَم لانَّي ظننت انَّه صاحب الكَلاَم
قَالَوا مِن صاحب الكَلاَم ؟.
قَال رجل يمر بهَذِه البحيرة فِي كُلّ سنة يَوْما فِيقف فِيذكر اللَه و يسبح و يقَدس و يكبر و يسِتغفر و يدعو لنفسه و للمومِنين و المومِنات ثَمّ ينصرف و اسالَه عَن اسمه اوَ مِن هُو فلا يكُلّمِني!
قيل لَه اتظنه الخضر؟ قَال لا ادري .
قيل لَه كَم سجن سلِيمانَّ مِن الجن ؟ قَال و مِن يقَدر انَّ يحصي عَدَّدهم ؟.
قبيلة منسك و كلام الطير
ثَمّ غاب عَنهم فلما عزموا عَلَى الَّانَّصراف قَالت الَّادلاء ايها الَّامير انَّ الطريق الّذي جئنا مِنه لا يمكن الرجوع مِنه لانَّ الَّامم الَّتِي حول ذَلِك الطريق قَد عِلموا بمجيئنا. و قَد حالَوا بَيْننا و بَيْن الرجوع عَلَيهم و لا قَدرة لنا عَلَى قتالَهم و لَكِنّنا نعدل الَى جهة اخِرى عَلَى امة يقَال لَها مِنسك .
و بَعْد ايّام وصلَوا الَى امة عظيمة و اذا بقوم كَانَّ كَلاَمهم كَلاَم الطير لا يفهم !!
فلما راوَهم احاطوا بهم و عَلَيهم انَّوَاع السلاح و هم كالتراب كثرة .
فايقنوا بالَهَلاك حتَى خرج ملكهم فسلم عَلَيهم بلسانَّ عربي ففرحوا و اسِتبشروا خيرا .
و سالَهم مِن هم فقَالَوا لَه انَّهم عرب مِن حيز امير المومِنين. اما هُو فقَال نحن امة مِن ولد مِنسك بن النفرة مِن ولد يافث بن نوح عَلَيه السّلام . و انَّا ملكهم ,
فسالَه الَّامير موسى بن نصير ايها الملك كَيْف تَعْلَمت لسانَّ العرب و لا ارى فِي قومك مِن يكُلّمِنا به غَيْرك ؟.
فقَال الملك ما مِن لسانَّ امكنني تَعْلَمه الَّا و قَد انَّفقت عَلَى تَعْلَمه و تعبت فِي مَعرفته دهرا .
و الملك اذا لم يَصْلح لنفسه بانَّ يزيد فِي فضائلَها كَيْف يَصْلح برعيته؟ و مَعرفة اللسانَّ زِيادَة انَّسانَّ فكُلّ لسانَّ انَّسانَّ.
فاسِتاذنوه فِي الرحيل فاذن لَهم.
ثَمّ كتب موسى بن نصير الَى عَبِد الملك بن مروانَّ بجَمِيع ما راه في رحلته الي مدينة النحاس التي بناها الجن لسيدنا سليمان.
فلما وصلَه الكتاب تعجب مِن امر المدينة و مِن تلك المواعظ و الَوصايا الَّتِي عَلَى الَّالَواح و اسماء الملَوك و ذكر النبي عَلَيه السّلام و شرف امته. و قَال الحمد للَه الّذي جعلنا مِن امته عَلَيه السّلام و اجاز الرسول و احسْن الِيِه فِيما يقَال و اللَه اعِلم