الأشوس – تمنة حسني

الاشوس

(الأشوس) بقلم : تمنة حسني

في غياهب الظلمات وحيث يسود الظلم والفساد كأي دولة تعرضت للإستعمار ، كان يمكن لرجال الأمن من الشعب الموريتاني أن يستولوا على كل ما اشتهت أنفسهم من مال وأنعام العامة وإن كان بغير طيب نفس ومن يجرأ على الإعتراض والنظام الأمني بأكمله تابع للإستعمار الفرنسي وفي ظل هذه الظروف شاءت الأقدار أن مرَّ رجلا أمنٍ على أحد القبائل الموريتانية وقد تعبت جمالهم من السفر فأخذوا مايشاؤون من الأنعام تكرر الأمر مرات ومرات حتى يأست تلك القبيلة وسلمت نفسها للأمر الواقع قبيلة كاملة يتم نهبها من قبل رجلان موريتانيان أبا وأما ولكن وبسبب تباعيتهما للمستعمر لم يستطع أي أحد الإعتراض ولكن قيل إنه لايخاف إلا العاقل وأن الشجاع ماهو إلا بناقص عقل فهل صحيح مايقال؟
انتهى الأمر بالرجلان أن وجدى صبيا عمره قرابة الخمسة عشر عاما حاف القدمين وعار الصدر يرعى بعض الإبل فأخذا منها جملين ليمتطياهما ويختصرا عليهما الرحلة الشاقة وبعد أن قطعا مسافة ليست بقصيرة التفت أحدهما ليجد ان الصبي يتبعهما ومازال حاف القدمين كان يتبعهما بصمت وبلا ملامح محددة وكلما توقفا يتوقف هو في مكانه ليعاود المشي عندما يراهما قد تحركا نفذ صبر الرجل ليردف على عجل – مابه لم يتبعنا ؟
-لا أعلم ولا أظنه عاقلا أساسا ، أعني أنظر إليه أنهى كلامه وهو يشير إليه بستخفاف ليتكلم الآخر بعد أن أعاد النظر
-معك حق ربما يكون جائعا ، هيا يجب أن نستريح على كل حال وربما نطعمه معنا وافق الآخر ليصرخ بحماس ممسكا بندقيته
– أنا من سيصطاد هذه المرة

ربع ساعة كانت كافية لإصطياد غزال وقد تكفل الصبي بجمع بعض العيدان لإشعال النار ومازال لم ينبس ببنت شفة ومع ذلك تمت عرقلة الأجواء الهادئة بسبب قهقة الرجال العالية حيث أنه منذ بدأ الغلام بحركات غبية كأكل معدة الغزال وهي نيأة أو أكل أوراق الشاي المرة والعبث بالنار حتى تأكدا بأنه ناقص عقل كانت تصرفاته عفوية إذ يحاول إكتشاف كل شيئ كطفل صغير قد تعرف على قدميه للتو وبعد الكم الهائل من التسلية التي حصل عليها الذكران الأكبر سنا وبعد أن شبعا حد التخمة غط أحدهما في نوم عميق بينما همّ صاحبه مبتعدا ليقضي حاجته عندها نظر الغلام ذات اليمين وذات الشمال ليجد أن الرجل الأول ابتعد كثيرا والآخر غط تماما في النوم وقد تأكد من ذلك عندما رآه يتصبب من العرق كانت تلك علامته للبدأ فزفر بقوة وتحرك متسللا نحو الجمال بعد أن أخذ أسلحة الرجال وجميع متعلقاتهم حرر الجملين وامتطا أحدهما بينما يمسك بلجام الآخر وأحد الأسلحة يتوسط يده اليمنى وعندما تأكد من امتلاكه لجميع الأسلحة قام بتوجيه فوهة السلاح نوح السماء وأطلق النار من ما سبب بستيقاظ الرجل الأول بفزع وهرولة صاحبه الآخر بفضول وأول مالاقهما كان منظره وهو يمتطي أحد الجمال وممسكا بلجام الآخر بينما جميع أسلحتهم معلقة في وسطه ثم سمعا صوته أخيرا
-أرخيتما دفاعكما أيها الغبيان
كانت ابتسامته مستفزة وواصل الحديث
-لاأحد يأخذ جمالي
ثلاثين ثانية من الصمت هي ما احتاجه الرجلان الأكبر سنا لإستعاب مايحدث
-حسنا أيها الصبي فالتأخذ جمالك وأعد إلينا أغراضنا
حاول معه أحد الرجال ولكن تهجم وجهه فقط ليطلق النار مرة أخرى من ما جعلهما يرتعشان ثم هدر
– ستقفان وراء تلك التلة وستبقيان هناك حتى أختفي تماما هل فهمتما؟
سأل وكان أحدهما على وشك الإعتراض فأطلق النار مجددا ليومئا ويهرولا نحو التلة وبعدها مضى هو طريقه نحو مدينة كيفة والتي أمضى ليلا ونهارا في طريقه إليها ومباشرة اتجه إلى منزل رئيس قبيلته وما أن رآه الآخر حتى كشر وجهه وسأل -كم من رجل؟ كان رئيس القبيلة يعرف الفتى حق المعرفة وعلم انه متورط عندما رأى الأسلحة اللتي تنتمي إلى رجال الأمن أجابه الفتى مقطبا حاجبيه -رجلان فأغمض الآخر عينيه بنفاذ صبر وهو يسأل
-أحياء أم اموات ؟ لم يجبه الفتى فأعاد بغضب محمد الأمين أجبني هل تركتهم أحياء أم أموات ؟
ليصرخ محمد الأمين بدوره -يوم وليلة كاملان بلا طعام، أقسم أن لا أجيبك قبل أن تطعمني
تنهد الكهل وقام بضيافته وما إن تلاشى جوع محمد الأمين حتى غط في سبات عميق والآخر يحاول إيقاظه لسؤاله عن الأمر ولكن عبث ماحاول استسلم في الأخير وتوقف عن محاولته في إيقاظه وهو يعلم تماما أن الشرطة في طريقهم وكان الأمر كذلك فقد رآى أحدهم محمد الأمين وهو قادم وأبلغ رئيس الشرطة وهو رجل فرنسي وقد جاء بنفسه إلى منزل شيخ القبيلة للتأكد من الأمر
-أعرف محمد الأمين جيدا صحيح أنه متهور وطائش ولكن لا يظلم أبدا لذا أنا متأكد من أنهم فعلوا مالم يستطع هو تحمله
أجابه رئيس الشرطة – كلامي معه وليس معك أين هو؟ كان هذا الوقت حيث خرج لهم محمد الأمين بعدما استيقظ
فقال الكهل -هاهو ذا

نظر إليه الآخر بتمعن قبل أن يردف بستنكار – هذا هو؟ أين بقيته؟
لم يجبه أي أحد وكان الغلام ينظر إليه بهدوء فسأله عن مكان الرجلان وأين تركهم وماذا حدث بالضبط لذا قص عليه كل ماحدث ليتكلم الآخر بتهديد –
سأرسل من يحضرهما فإذا كانا على قيد الحياة فأنت نجوت وأما إذا ما وجدناهما ميتان فسيتم التعامل معك كما ينبغي
لم تجري الأمور كما أراد تماما حيث أن الرجلان كانا علا قيد الحياة وقد تم إحضارهما ، بالنظر إليهما هما تقريبا في منتصف الأربعينات كيف بحق خالق الجحيم يمكن لغلام ان يخدعهما وكان هذا تماما ما وبخهما بشأنه وصرفهما تماما
قائلا -لا حاجة لي بكما وقد خدعكما غلام ناقص عقل فكيف ستفيداني ومن جهة أخرى وجه نظره إلى الفتى ، هو ذكي نعم ، شجاع ربما ولكن متهور جدا وربما يتسبب لنفسه بالقتل بسبب تهوره هذا لذا اعطاه بطاقة رسمية وقال له لا داعي للمشاكل ،فقط إذا تعرض لك أحدهم أره هذه البطاقة وسيدعك وشأنك
أخذها الآخر وقد أومأ له ليخرج رئيس الشرطة وهو معجب بذلك الصبي لم يكن يعتقد أنه سيقابله بعد أكثر من خمسة عشر عاما في موقف أعظم.

شارك
ِAhmed Abdulaziz
ِAhmed Abdulaziz

مطور و مبرمج ويب متخصص في الووردبريس , و في أحيان أخري كاتب
#احلام_الناس_لا_تنتهي

المقالات: 113

تعليق واحد

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *