رواية عشتار الانسية التى تزوجت جني الجزء الثانى “الكتاب الثاني”
رواية طالوت و الانسية التى تزوجت جني الحلقة الخامسة
طالوت والإنسية التي تزوجت جني – الحلقة الخامسة
فوجئ جلجامش بسرب الأسماك الطائرة ذوات القرون الضخمة الذي ظهرت أمامه بشكل مباغت لكنه اتجه نحوهم بسرعة تليق بملك الجن وأسلحته تطير خلفه كان جلجامش يحسب كل خطوة يخطوها لعلمه أنه مراقب لاشك أينما ذهب فأعين الخونة تملأ أرض الجن لذلك وجدها فرصة لإظهار قوته الفتاكة
ارتطم جلجامش بالأسماك أخيراً محدثاً فوهةً من الدماء بسرعة رهيبة وسيوفه خلفه وفجأة ابتلعت سمكةٌ كبيرة جلجامش واطبقت عليه فمها إلا أن جلجامش حطم فمها بسهولة وقبل أن يخرج ابتلعت سمكة اخرى السمكة التي ابتلعت جلجامش وجاءت سمكة عظيمة طولها مئة ذراع وابتلعت السمكتان بقضمة واحدة وأخذت تطير عالياً جداً جداً وكأن شيئاً ما يحركها ثم ابتلعتها سمكة أخرى وأخرى إلى أن أصبح جلجامش بداخل سبع سمكات أكبرهم حوت ارجواني بحجم جبل كبير
كان يطير بجانب الحوت جني خطير يدعى الضحضاح وهو أحد الجن السبعة وأمير البحر السماوي لعالم الجن
كان الحوت يطير بسرعة كبيرة جداً والضحضاح يطير بجانبه إلى أن وصل فوق فوهة بركان أرض الجن
صرخ الضحضاح صرخة سمعها جلجامش وهو في بطن سابع حوت:
– أنا من يُدعى بالضحضاح
أنا القاتلُ السفاح
أنا حاصدُ الأرواح
أنا الآخذُ الرواح
الحوتُ في قبضتي
وفي بطنهِ حوت
تابوتٌ بذي تابوت
أنا الموت
أنا كاتمُ الصوت
أنا مهلكُ العائش
أنا قاتلُ الطائش
أنا برقٌ أنا داهش
أنا جلادُ جلجامش
ثم صرخ صرخة أخرى اهتزت لها أرض الجن
واتجه الحوت للبركان كسهم استقر في قعره
ضرب جلجامش الحوت الأول محدثاً فتحةً في بطنه وانتقل للحوت الثاني لكنه أحس بحرارة شديدة فعلم أنه في مكان شديد الحرارة وأنه كلما حاول الخروج من حوتٍ الى حوت سيقترب من مصدر هذه الحرارة فتوقف حائراً في أمره والبركان يذيب حوتاً تلو الآخر
في هذه الأثناء كانت عشتار تغوص في رمالٍ متحركة أمام ثلاثة أصنام
حاولت عشتار التملص لكنها كلما تحركت غاصت في الرمال أسرع فأخذت تتلفت يميناً وشمالاً لترى الشنفرة وهو يزحف من بعيد خلفها وقد خارت كل قواه
صرخت عشتار:
– ساعدني ياشنفرة
استجاب الشنفرة لنداء عشتار وحاول الوقوف لكنه كان متعباً جداً فسقط على وجهه
لم يتبقى سوى رأس عشتار وفوجئت بعقارب سوداء أذنابها وردية قد خرجت من الرمال المتحركة تتجه نحوها
علمت عشتار أنه لابد من استخدام سلاحها الوحيد الذي لاتملك سواه ولو أنها تعلم تبعات هذا السلاح إلا أن مالبيد حيلة أخرى
صرخت عشتار:
– أيها الشنفرة…
رفع الشنفرة رأسه وهو يترنح وقد عرق جبينه
صاحت عشتار:
– انظر في عيني ياشنفرة انظر في عيني
استغرب الشنفرة من طلب عشتار لكنه أخذ ينظر في عينيها اللتان سرعان مانسحر بهما
دبت في الشنفرة قوة عظيمة سرت في كل جسده وانطلق طائراً نحو عشتار
كانت تلك قوة العشق
قوة عشتار ولعنتها في نفس الوقت
ما أن ينظر جني في عينيها حتى يعشقها فوراً
اقتلع الشنفرة عشتار من الرمال المتحركة وطار بها بعيداً وهو يترنح في الهواء حتى سقط بجانب بحيرة قريبة وبدا أنه يحتضر والدماء تسيل من فمه
نهضت عشتار بقلق واتجهت نحوه قائلة:
– هل أنت بخير!! تماسك ياشنفرة أنا أحتاج إليك لاتتركني
كان الشنفرة يخور في دمه وهو يلفظ أنفاسه لكنه استطاع الزحف والاستناد على صخرة دائرية بجانب البحيرة وقال والكلام يخرج من فمه كخروج الروح:
– لا أظن أنني سأنجو يبدو أنها نهايتي كنت كل مرة أطير بهذه السرعة أصاب بحمى وإعياء يستمر أحيانا لأيام لكن سقوطي من الجبل جعلني استهلك طاقتي كلها أنا لا أعرف كيف استطعت الطيران مرة أخرى واقتلاعك من الرمال المتحركة كل ما أعرفه أنك أجمل ما رأت عيني ياعشتار
أخذت عشتار تتلفت حولها وكأنها تحاول تغيير الموضوع والهرب مما فعلته بعينها ثم قالت:
– أين نحن ياشنفرة
ضحك الشنفرة ضحكةً حزينة وقال:
– نحن في جزيرة سحرية لاتظهر إلا مرةً في السنة وتختفي باقي السنة عن أعين المخلوقات وأنا الوحيد الذي يستطيع القدوم إليها في أي وقت فسرعتي تمكنني من اختراق الحاجز الزمني لذلك اتخذتها مخبأً لي من أعدائي من الجن واتخذت الكهف مخبأً لي من مخلوقات هذه الجزيرة
أحست عشتار بالقلق:
– لايبدو أنه يوجد أحد هنا!!
– بلى يوجد بها مخلوقات لايستطيع رؤيتها لا إنس ولاجان تخرج في الليل وتمتص الحياة من كل شيء حي ولها أصوات مفزعة جداً
– لماذا إذن اتخذت هذه الجزيرة مخبأً لك؟؟
– هذه المخلوقات لاتستطيع الطيران أو التسلق لذلك كان مكاني في أعلى الجبل آمناً فقط في اليوم الذي تظهر هذه الجزيرة علي أن أهرب بعيداً
– لماذا؟
– في اليوم الذي تظهر في الجزيرة تكون وجهةً لعظماء الجن من المردة والطواغيت والشياطين وقد يأتي أحد يريد الثأر مني فأهرب
قالت عشتار بقلق:
– كم تبقى على ظهور الجزيرة؟
– مئتان وخمسون يوماً
– يا إلهي ،، وكيف سنذهب للمغارة قبل غروب الشمس
– لايبدو أن هذا بالإمكان
ضربت عشتار على رأسها وهي ترتجف وقالت
– لابد من وجود حل هذه جزيرة سحرية لابد من وجود حل فكر ياشنفرة أرجوك فكر
– أنا آسف ياعشتار أنني جلبتك لمكان كهذا فكما قلت لك هي ملاذي الآمن فأنا ملاحق في كل الأرض الجن
قالت عشتار بيأس
– لماذا هذه الجزيرة تكون وجهة لكبار الجن في اليوم الذي تخرج فيه.
رفع الشنفرة رأسه مشيراً لشجرة كبيرة كانت فوق البحيرة بها ثمرات تشبه فاكهة الكمثرى لكنه أكبر قليلاً ثم قال:
– أترين هذه الشجرة.. ثمر هذه الشجرة عجيب فمن يأكل منه لايهرم ولايسقم أبداً
أصيبت عشتار بذهول شديد ونهضت مقتربة من الشجرة وهي تنظر للشجرة وثمارها بعجب وقالت:
– يا إلهي .. هل حقاً ماتقول!!
صرخ الشنفرة:
– لاتلمسيها
ذعرت عشتار من صرخة الشنفرة وسألته:
– لماذا؟؟ أنت قلت أن من يأكل منها لايهرم ولايسقم .. أتدري لقد خطرت ببالي فكرة ماذا لو أكلت منها هل تتعافى!!
ضحك الشنفرة ثم قال:
– ذلك مستحيل هذه الشجرة ترتبط بالبحيرة بشكل سحري وعجيب
– كيف!؟
– ثمار الشجرة يغطيها غبار كثيف من يأكله يموت فوراً ولإزالة هذا الغبار لابد من غسله في البحيرة لكن المشكلة أنه لو تم قطف ثمرة من ثمار الشجرة جذور الشجرة تبث السم فوراً في البحيرة ولايصفى الماء إلا عندما تفسد الثمرة أو تؤكل
– هل نستطيع أن نؤخذ من مائها ونغسل به الثمر
– لا يجب أن تغسل الثمرة في البحيرة وليس بماء البحيرة
– ماذا لو قمت بإمساك غصن وإنزاله في البحيرة
– لا اعتقد أن هذا ممكن فالأغصان مرتفعة جداً
– كيف إذن يحصل الجن على الثمر كل سنة!!
– كل واحد له طريقته بالنسبة لي قطفتها بسرعتي وغسلتها قبل قبل سريان السم في الماء وهو ما لا استطيع فعله الآن
نهضت عشتار واقتربت من الشجرة ففوجئت بماء البحيرة قد تكدر وغدا أسوداً فوراً فنظرت للشنفرة تستعلم الأمر فقال:
– الشجرة تستشعر الخطر وتبث سمها فوراً عليك أن تبتعدي
ابتعدت عشتار فعاد لون البحيرة صافياً
أخذت عشتار تدور حول البحيرة وهي تفكر وتفكر وتدور أما الشنفرة فقد كان ممداً يخور بدمه
في هذه الأثناء كان جلجامش يوشك على الموت من حرارة المكان وهو يفكر في طريقة للتخلص مما هو فيه
أخذ يفكر في حياته تزوج بإنسية ونفي لأرض الإنس ومات أبوه وهو غاضب عليه ثم عاد وأتى بإنسية لأرض الجن
لم يهتم بمملكته كما يجب والآن هو في بطن حوت يحترق يالها من موتةٍ شنيعة ستشفي غليل الشامتين
كان يفكر في الكلمات القوية التي قالها الضحضاح وكأنها أثرت فيه وهزت كبريائه
تمدد جلجامش مستسلماً وقال:
أنا جسدٌ بلا روحٍ وظلٌ يستقي النورا
أنا كفنٌ له وجعٌ بهِ قد جفّ كافورا
مشيتُ بجنازتي فرداً وكلُ الجنِ مسرورة
نعم أنا فزعٌ …
أنا جزعٌ …
أنا من مات مأسورا
أنا موتٌ بهِ رمقٌ نفاهُ الطّلُ عافورا
أنا أثرٌ بلا أثرٍ وجودي نقشُ أحفورا
أنا الأقداحُ فارغةٌ…
أنا الأشباحُ شاردةٌ…
أنا كلٌ بلا كلٍ وبعضي بعضُ أسطورا
جلجامش ذهب يبحث عن عشتار والآن هو ممد يوشك على الموت ويفكر في عشتار
كان يتخيل عشتار بجمالها بغضبها بضحكها وبكائها برقتها وكبريائها بعذوبتها وذكائها بعصبة عينها البيضاء التي اقتصتها من ثوبها الأبيض كان يتخيلها وهي تلبس فرو زعيم الذئاب ذو العين الواحدة وفجأةً لمعت في ذهن جلجامش فكرة وكأن الحياة دبت فيه من جديد
تذكر سيف عين الذئب
لم يحمله معه إذ أنه غرزه في الجبل بعد انتصار على عيقم كتذكار
أيقن جلجامش أنه يوجد أمل في النجاة إن استطاع استدعاء سيفه عين الذئب
مد جلجامش يده للأعلى وأغمض عينه وهو يهتز ويفكر في سيف عين الذئب حتى شحب وجهه وغدا جسمه شديد الحمرة وخرج قرناه بشكل عجيب
كان فوصم وزير جلجامش يلملم صفوف الجيش ويحصن القلعة ويقوم بترميم الدمار الذي خلفه هجوم الشنفرة
فجأةً أحس سكان القلعة بهزة رهيبة
كان الجبل الذي يتوسط القلعة يتهز اهتزازاً عنيفاً وفوق الجبل كان سيف عين الذئب هو الذي يسبب هذا الاهتزاز
وكأنه يستعد لتلبية نداء سيده
انتفض السيف وانقلع من صخر الجبل وطار عالياً جداً في السماء بسرعة كبيرة باتجاه جلجامش
كان جلجامش يعلم أنه لايملك متسعاً من الوقت لتنفيذ هجوم بأحد سيوفه سيف الرعد وسيف اللهب ورمح الظلام التي كانت تطير بسرعة حول فوهة البركان
فقط سيف عين الذئب هو الذي سينقذه لذلك حسم أمره واستدعاه
بدأ جلجامش يحس بلهيب النار ويبدو أن الحمم البركانية أصبحت قريبةً جداً لكنه استمر في محاولة استدعاء سيفه خصوصاً بعد أن أحس بالسيف يقترب منه
فتح جلجامش عيناه بغضب وصرخ:
– إما الآن وإلا فلااااا
وصل سيف عين الذئب فوق فوهة البركان وانبثقت منه زوبعة كبيرة بشكل عجيب ومخيف
كان خطة جلجامش تعتمد على نصل السيف إذ أن يارخ صانع الأسلحة صنع نصل السيف من قطعة من حجر المغناطيس المعلق فوق فوهة البركان لذلك قام جلجامش بإستدعاءه
كون السيف زوبعة عظيمة حاول الضحضاح إفشالها لكن بقية سيوف جلجامش تصدت له بالمرصاد
أخذ نصل سيف عين الذئب يهتز بشدة وبدأ يجذب حجر المغناطيس المعلق فوق فوهة البركان نحوه بشدة
بدأ جلجامش يحس بالحمم البركانية قد وصلت إليه لكنه لم يفقد تركيزه فليس بالوقت المناسب لملك الجن أن يفقد تركيزه الآن
أخيراً اقتلع السيف الحجر المعلق وطار به عالياً فبدأ البركان بالهيجان
وقامت الزوبعة بتسريع عملية هيجان البركان فانفجر البركان قاذفاً بجلجامش في السماء
خرج جلجامش والبركان خلفه ودخل داخل الزوبعة وهو يطير بكل ما أوتي من قوة إلى أن وصل لسيف عين الذئب فأمسك به وقذف بحجر المغناطيس وأعاده لمكانه فوق الفوهة بقوة كبيرة فتناثرت الحمم البركانية حول البركان وخمد مرةً أخرى
وقف جلجامش أما الضحضاح وجهاً لوجه وقرناه يتوهجان غضباً وصرخ في وجه الضحضاح قائلاً:
أنا التاريخُ الذي صَنعا
أنا القانونُ الذي وَضعا
أنا الشهمُ الذي خَدعا
أنا السهمُ الذي فَجعا
أنا الصوتُ الذي قُمعا
أنا الأصداءُ مُرتجعا
أنا الأشتاتُ مجتمعة
أنا البرقُ الذي لمعا
وأنا المطرُ الذي جُمعا
وصُبّ من قارورة لقارورة
أنا الموتُ الذي عاشا
أنا الحكمُ الذي كاشا
أنا الدمعُ الذي جاشا
أنا نفسٌ وإنعاشا
أنا كلا أنا لاشا
أنا حتماً أنا ماشا
أنا الميزانُ غشاشا
وجرمي بات معذورا
أنا القلبُ الذي آوى
أنا الرجلُ الذي ساوا
أنا ذئبٌ… أنا آوى
أنا حسنُ بن علاّوا
أنا كهفٌ بنيناوى
وعيني تعكسُ النورا
أنا كابوسُ النهارُ
انا القابوسُ والنارُ
أنا الهولاكو تتارُ
أنا سيفً وبتارُ
أنا الصنديدُ إن جاروا
أنا العربيدُ لو صاروا
جميعاً كان مضمارُ
رؤوس الكلِ مكسورا
أنا الماضي وكِذبتهُ وحاضِرهُ الذي كانا
أنا غشٌ أنا غدرٌ أنا الإنسي والجانا
أنا المللُ أنا الجللُ أنا الرجلُ الذي خانا
أنا الندمُ أنا العدمُ أنا الأنهارُ ظمآنا
في هذا الوقت كانت عشتار قد وصلت لمكان بعيد نوعاً ما عن الشجرة وأخذت تنظر للبحيرة فوجدت انعكاس الشجرة على سطح الماء
أخذت عشتار تنظر بتمعن لانعكاس الشجرة وأخيراً ابتسمت قائلة:
– حين كنت صغيرة في العيد ذهبنا لحضور عرض في السيرك أنا وأخوتي وأبناء عمي كانت العروض جميلة جداً لكن عرضاً واحداً أثار انتباهنا الشديد فقد خرج أسدٌ غاضب وهائج جداً وقام مدربه بالإشارة له بحركات بهلوانية فهدء فوراً
كان الجميع يتساءل مالذي فعله المدرب لكي يجعل الأسد يهدء بهذه السرعة إلا واحد
إلا واحد
ابن عمي
طالوت
كان يتساءل
مالذي رآه الأسد لكي يهدأ
فتح الشنفرة عينيه بتعب شديد وهو يقول:
– وهل هنالك فرق!!
– الفرق في الزاوية التي ننظر بها للأمور كل واحد ينظر للأمور من زاوية معينة ويبني عليها أفكاره لكن ما إن تتغير الزاوية تتغير الأفكار معها
– لم أفهم ماتحاولين قوله ياعشتار
– كل هذا الوقت كنا نظن أن الشجرة هي من تحرس الثمرات وتبث السم في البحيرة لكنني الآن أكاد أجزم أننا أسأنا الفهم
البحيرة هي من يحرس الشجرة
– وكيف عرفتي ذلك!!
– بالنظر من زاوية مختلفة
انظر لانعكاس الثمار على سطح الماء ألا تراه واضحاً لامعاً دون غبار!! مع أن الثمار في الشجرة مغبرة
قال الشنفرة:
– ها… لم انتبه لكنه يبدو كذلك
قالت عشتار:
– انظر ماذا سأفعل
أخذت عشتار حفنة من التراب وألقتها على انعكاس الماء لثمرة من الثمار فاغبرت صورة الثمرة في الماء
نظرت عشتار للأعلى فوجدت الثمرة زال عنها الغبار وأصبحت لامعة وسقطت على الأرض تتدحرج نحو قدم عشتار
قفزت عشتار في الجو فرحة ومزهوةً بنجاح خطتها والتقطت الثمرة وذهبت للشنفرة
فتح الشنفرة عينيه ليرى عشتار بابتسماتها الساحرة والثمرة في يدها فشهق شهقة عظيمة قائلاً:
– كيف!! كيف استطعتي الحصول على الثمرة يالك من ذكية ياعشتار
ضحكت عشتار ومدت يدها نحو الشنفرة:
– خذ كلها ياشنفرة
نظر الشنفرة لعشتار بتعجب:
– لي !! أنا ياعشتار !! هل تعلمين كمية الدماء التي تسفك من أجل هذه الثمرة في اليوم الذي تظهر فيه هذه الشجرة كل سنة وأنت تؤثرين الثمرة لي على نفسك ياعشتار من يأكل هذه الثمرة لا يهرم ولايسقم أبداً
– لماذا يكون سفك دماء وكل واحد يستطيع أخذ الثمرة بطريقته الخاصة!!
هز الشنفرة رأسه وقال:
– انظري للشجرة
نظرت عشتار للشجرة فرأت أن الثمار اختفت جميعها فقال الشنفرة هي ثمرة واحدة تستطيعين اخذها كل يوم والجزيرة تظهر يوماً واحداً في السنة لذلك يكون سفك الدماء
– يا إلهي الكل يريد الخلود والحياة الأبدية لكن الموت يقهر المخلوقات جميعاً حتى لو لم يهرم أو يسقم بأية حال أنت تحتاجها أكثر مني وماذا سأستفيد لو أكلتها وغابت الشمس وأكلتني مخلوقات الجزيرة!! هي لك لكن عليك أن تعاهدني أن تخرجني من الجزيرة
تنهد الشنفرة وقال:
– أعاهدك ياعشتار وأشكر لك طيبة قلبك الدافئ لإعطائي الثمرة بعد كل مافعلته إنك طيبة جداً
أمسك الشنفرة بالثمرة وقال:
– عشتار من يأكل هذه الثمرة لايهرم ولا يسقم أبداً أمتأكدةٌ أنتي؟
تنهدت عشتار وقالت:
– مافائدة الوقت إن كان لايمضي
– بعض الأوقات أتمنى أن لاتمضي كوقتي معك ياعشتار كنت أظن أنني أسرع شيء في الكون قبل أن أقابلك لكنني حين رأيت عيناك اكتشفت أن جمالك سرى داخل قلبي بسرعة أعجز عن الهرب منها أنا أعلم بأنك متزوجة ياعشتار لاتسيئي فهمي أرجوك لكنك أجمل من أن تكوني إمرأةً فقط أنتي أجمل من أن تكوني إنسية أو جنية أنت أجمل من الجمال ذاته أنتي إحساس متجسد بالسعادة والرقة والعذوبة أنت جنة تمشي على الأرض أنت الإحساس الذي يعتري القلب حين ينطق كلمة أحبك ولو خيرت أن أظل واقفاً امامك وعيني في عينك بابتسامتك العذبة وخداك الخجولان لوهبت حياتي كلها لهذه اللحظة أنت .. أنت فقط أنت
أحست عشتار بخجل شديد وحرج في نفس الوقت لكنها اكتفت بأن ناولت الشنفرة الثمرة كي يأكلها
أمسك الشنفرة بالثمرة وقربها من فمه فأخذتها عشتار ثانية من يده وقضمت قضمة ثم أعادتها إليه وهي تبتسم ابتسامة رقيقة
تناول الشنفرة الثمرة وفورا وكأن الحياة قد دبت فيه من جديد ونهض اخيراً كجبل من حديد مزهواً بقوته
كان شكل الشنفرة مرعباً جداً بالنسبة لعشتار حين استعاد عافيته مما أثار خوفها فهي لاتدري هل يتغير الشنفرة بعد أن تعافى وعاد قوياً
نظر الشنفرة لعشتار وقال:
– لاتخافي ياعشتار وانزل ساعده على الأرض وقال هيا بنا ياعشتار علينا أن نهرب من هذه الجزيرة بسرعة فلا وقت لدينا
صعدت عشتار على كتف الشنفرة وتشبثت برقبته خوفا من الوقوع بسبب سرعة طيرانه فابتسم الشنفرة وامسك بعشتار هو الآخر وطار بها عالياً وانطلق بسرعة رهيبة لدرجة أن عشتار حين رمشت بعينها وجدت نفسها على شاطئ بعيدا عن الجزيرة والبحر خلفه كان هائجا
صاحت عشتار:
– يالك من سريع جدا ياشنفرة
ضحك الشنفرة مزهوا بإطراء عشتار وقال:
– هيا بنا يجب أن نختبئ في مغارة قريبة
عبست عشتار واحمر وجهها بدهشة وقالت:
– لقد عاهدتني ياشنفرة أن تأخذني لجلجامش هل نسيت!!
نظر الشنفرة في عين عشتار وقال:
– لقد عاهدتك أن أخرجك من الجزيرة ولم أعاهدك أن أعيدك لجلجامش
صرخت عشتار:
– لقد خدعتني ياشنفرة
استرسل الشنفرة:
– لم أخدعك ياعشتار يجب أن نختبئ ونراقب الأحداث عن بعد بهدوء ونتدخل في الوقت الحاسم صدقيني حين أقول لك جلجامش أقوى بدونك إنه لايستمد قوته منك فهو معك يكون ضعيفا خوفا عليك أنت نقطة ضعف جلجامش
سكتت عشتار وفي حلقها غصة إذ لايبود أنها في موقع تفرض رأيها فيه واكتفت بالمشي مع الشنفرة
في الوقت الذي استطاعت عشتار انقاذ الشنفرة والخروج من الجزيرة كان جلجامش على وشك بدء معركته الخطيرة مع الضحضاح أما بالنسبة لطالوت فقد كان قد انتهى لتوه من صناعة الفزاعات لصديقه الجني صائد السعالي وكان يستعد للرحيل
قال الجني:
– يبدو أنني قد ظلمتكم معشر الإنس لم أكن أظن أنكم طيبون فنحن نسمع عنكم فقط ولم نركم
قال طاولت:
– وأنا أيضا كنت أسمع عن الجن ولم أرهم من قبل ههه وكنت أظن أن كلهم أشرار لكن بعد أن أنقذت حياتي تغيرت نظرتي لكن يبدو أن علي الرحيل ألآن شكراً لك ياصديقي
دخل الجني لكوخه وعاد بكيس كبير وناوله لطالوت
سأل طاولت:
– ماهذا!!
قال الجني:
– هذا غذاء راحلتك
استغرب طالوت وقال:
– أي راحلة أنا لا أملك راحلة
أشار الجني لأسد كبير برأس نسر وقال:
– أنا لا أعلم أين أنت ذاهب ياطاولت لكنني أعلم أن دربك طويل وخطير ومليء بالمشاكل لذلك سيكون من الأفضل لك أن تحصل على راحلة تنقلك من مكان لآخر وتدافع عنك أيضا وهذا الكيس مليء بشعور السعالي عليك إطعامه وإحسان صحبته
ابتسم طالوت وفرح بهذه الهدية العظيمة وأخذ الكيس من الجني وتناول قليلا من الشعر وقام بإطعامه للاسد الذي بدا ودودا لكل من يطعمه أخيراً امتطى طالوت الأسد ونظر لصديقه الجني قائلا:
– بقي أمر واحد علي توضيحه قبل الفراق
قال الجني
– ماهو!
قال طالوت:
– لقد قلت سابقا أن الجن أفضل من الإنس فأنتم مخلوقون من نار ونحن من طين
قال الجني:
– وهذا صحيح
استرسل طالوت:
– لاتقل كلاما كهذا ياأخي نحن جميعا عباد الله والإنسان خليفة الله في أرضه وكلنا إخوة لايهم الفرق في اللون أو الجنس أو الدين إن كانت الأخلاق الكريمة هي التي تسود لافرق بين جني وإنسي الصدق والأمانة والعدل هي صفات فطرية في كلا الجنسين أرأيت كيف كنا نعمل معا ونساعد بعضنا بعضا تعبنا معا ونجحنا معا هذا هو المهم يا أخي
قال الجني:
– هل كل بني الإنس مثلك ياطالوت؟؟
أجاب طالوت بأسى:
– للأسف لا نحن نقتل بعضاً البعض
هز الجني رأسه بأسف وقال:
– ونحن كذلك
أخيراً قال طالوت:
– الوداع ياصديقي سأشتاق لك كثيرا